د. إبراهيم بن جلال فضلون
(الووك أو الووكيزم)، أي مُستيقظ أو متنبّه، أي شخص واعٍ للمظالم التي عليه محاربتها لاسيما التي لها علاقة بالعدالة الاجتماعية والعدالة العرقية بحسب قاموس ميريام-وبستر، ليصفها أكاديميون بأنها ديكتاتورية الأقليات وآخرون يرونها ثورة اللا عقلانية وإلغاء الثقافات، فالصحافي «فيفيان فرغنو يراها في السياسة توصف الأخصام السياسيين الذين هم عادة من اليساريين. أي أنها تعادي الثقافة، ويراها الآخر أنها ثورة ثقافية تتمدد، بل ونجحت في التسلّل إلى كلّ نواحي الحياة اليومية كالصحافي برايس كوتوريه.
فمن كان يصدق أنه بعد ثلاثة أشهر من انتخاب بايدن ابن الـ 78 خريفاً، سنحذر من تعريض إدارته للاستقرار العالمي ومستقبل الديموقراطية والاقتصاد الدولي للخطر بسبب أيديولوجيا «الووك»، وإذا عطست أميركا أُصيبت أوروبا بالبرد؛ ولنبدأ من جديد ومنذ ظهور شيطان «الووك» مع خمسينيات القرن الماضي من قبل ناشطين سود في الولايات المتحدة دفاعًا عن حقوقهم، متحولة عام 2010 إلى حركات جديدة مناهضة، تكونت بأمريكا تحت اسم حركة Black Lives Matter في كاليفورنيا وزادت شيوعها سنة 2014 بعد مقتل الشاب الأسود «مايكل براون» على يد الشرطي الأبيض «دارين ويلسون»، ليكون شعارًا ضدّ التمييز العنصري واضطهاد الُمثليين والأقليات الجنسية والمهاجرين ومن هم من المهمّشين بشكل عام، حتى وصلت الأراضي الفرنسية عام 2020، بقوة في الساحة الثقافية الفرنسية، محدثة جدلاً واسعاً وبلبلة بين صفوف المثقفين والأكاديميين الذين يعتبرون أن هذه المفاهيم الأنجلوسكسونية -رغم حسن نياتها- قد تكون خطراً على حرية التعبير وقيم فرنسا العالمية المبنية على المساواة، والأخوة، والحرية.
حركة ثار عليها العارفون بالتاريخ والثقافة ونقدوها كنقد الدراسات لـ»ما بعد الاستعمارية»، ودراسات النوع الاجتماعي (الجندر) والنظريات العرقية النقدية، والنظريات التفكيكية، حتى وصفتها أستاذة الأدب الفرنسي، إيمانويل هولين، بأنها تمثّل في آن واحد: «آخر نسخة للوهم الشيوعي، وفي الوقت نفسه محكمة يمثلُ أمامها كل مُفكري التاريخ الغربي... اليوم يتم منع محاضرات وندوات بحجّة إعادة النظر في معارفنا، لا نستطيع تدريس هوميروس؛ لأن البعض يعتبره عنصرياً ومعادياً للمرأة، ولا نابليون لأنه يمثل الاستعمار الاستعبادي، وماذا بعد...؟.». وأيدها المؤرخ باسكال بلانشار، في مجلة «إكسبرس» بعنوان «المتعصّبون الجدد»، ليكتب الباحث في علم الاجتماع ألكس ماهودو، في كتابه: «الووك: حالة الذعر»، وليذهب بريس كوتوريي لأبعد من ذلك؛ حيث نقرأ في كتابه: «أوكي جيل الألفية»، ما يلي: «هذا الجيل يريد أن يوبخنا لأننا نسافر بالطائرة، أو نستعمل السيارة، أو نأكل اللحوم، ويريد أن يوهمنا بأنه يحارب التمييز العنصري والتحيز الجنسي، عن أي عبودية يتحدثون؟ تلك التي انتهت منذ أكثر من 150 سنة؟ إنها ديكتاتورية الأقليات... نحن جيل الستينات من دخل المعارك وربحها مع مارتن لوثر كينغ والحركة الطلابية في مايو 68، وكنا نواجه جيوشاً وحكومات رجعية ومقاومة شديدة من محيطنا الاجتماعي، فلماذا يقضون وقتهم في وسائل التواصل الاجتماعي بدل الاهتمام بما يحدث الآن من مآسٍ حقيقية في الصين؛ حيث تتم إبادة شعب الأيغور بكامله، بسبب ديانته الإسلامية، أو في أفغانستان، أين تُنتهك حقوق المرأة كل يوم؟»
وبعد دخول هذه المفاهيم الأنجلوسكسونية المشهد الثقافي الفرنسي ومنها لأوروبا المريضة بمداخلات إعلامية، وإصدار كتب ضدها، كما في كتاب «العيش في مكتبة العالم»، لويليام ماكس، أستاذ الأدب المقارن في «كوليج دو فرنس» قائلاً فيه: «ليس من حق أحد الدعوة لمسح جزء من تراثنا الفكري والتاريخي. مهاجمة كبار فلاسفة التنوير خطأ فادح؛ لأن ناشطي الحركات المعادية للتمييز العنصري هم أنفسهم ورثة هذه الفلسفة، من دون مونتسكيو لم تكن الثورة لتحدث، ولا كنا لنتمتع بالحريات التي نحظى بها اليوم».
فهل انتقلت العدوى إلى فرنسا؟ بعدما اكتسحت هذه الأفكار العقليات الأميركية بقوة، بسبب الإحساس بالذنب تجاه العبودية، حتى وصل القلق للهيئات الرسمية، وزير التربية (السابق) حتى وصفها بلانكير بـ»الظلامية»، وتسببها في بلبلة بين الأوساط كافة، بسبب المطالبة بإحداث تغييرات في مقررات التاريخ، وخلافاً لما تنص عليه القاعدة اللغوية التي تقول: «المذكر يسود على المؤنث»، واستحداث جنس ثالث بين «الهو» و»الهي». ليدخل الرئيس ماكرون في الجدل القائم، قائلاً: «يجب التصّدي بإعادة الاستثمار في العلوم الاجتماعية من جديد».. لكن الأدهى والأمر، سيطرة «الووك» على إدارة البيت الأبيض، وإلغائها الديموقراطية العالمية والحرية والتقدم والمكاسب الحقوقية والمدنية والاجتماعية والحريات التي حققها العالم منذ بداية عصر التنوير في 1715م.
وأخيراً، إنها أيديولوجيا خربت المعاهد الأكاديمية وأخرست المفكرين، وطربت لها آلة الرأي العالمية ذات تأثير هائل في المؤسسة السياسة في بريطانيا وأوروبا لتقليدها، بجانب التوجيه التضليلي لسياسة حقوق الإنسان كأداة ضغط في السياسة الخارجية.. إنها النهاية للماضي، وانتهاك للحاضر أيها المشعوذون!